اقتصاد

حبيبة نصرواي بن مراد: “مجموعة بريكس تعيد تشكيل النظام العالمي… وتونس يجب أن تنضم قريبًا”

في حوار إعلامي ثري، قدمت الأستاذة الجامعية والمحللة الاقتصادية، السيدة حبيبة نصرواي بن مراد، رؤية عميقة لمجموعة بريكس (BRICS) وتطورها الجيوسياسي والاقتصادي، مؤكدة على أهمية هذا التكتل في إعادة رسم ملامح النظام النقدي العالمي وبروز نظام عالمي متعدد الأقطاب، داعية في الآن ذاته إلى ضرورة انضمام تونس إلى هذا التكتل العالمي.


من فكرة إلى تكتل عالمي مؤثر

بدأت الأستاذة نصرواي بن مراد سردها بتاريخ إنشاء مجموعة بريكس، موضحة أن الفكرة تعود إلى العام 2001 حين أطلق خبير اقتصادي من بنك “غولدمان ساكس” الأمريكي اسم BRIC على أربع دول هي البرازيل، روسيا، الهند، والصين، متوقعًا أن هذه الدول ستصبح القوى الاقتصادية الكبرى في القرن الـ21. وتؤكد الأستاذة أن هذه التوقعات لم تكن بعيدة عن الواقع.

وأضافت: “هذه الدول تتميز بمساحات شاسعة وثروات طبيعية ضخمة، فضلًا عن تواجدها ضمن قائمة أكبر القوى الاقتصادية في العالم: الصين الثانية، الهند الخامسة، البرازيل الثامنة، وروسيا بين التاسعة والعاشرة. وبتحويل الناتج القومي إلى تعادل القوة الشرائية، فإن روسيا تتقدم بشكل كبير”.


نحو توسع استراتيجي… وبروز “بريكس +”

أشارت السيدة بن مراد إلى أن المجموعة أصبحت رسمية عام 2006، وعقدت أول قمة لها في روسيا عام 2009، ثم انضمت جنوب إفريقيا سنة 2010، لتتحول المجموعة إلى “بريكس”. وفي قمة جوهانسبرغ 2023، أعلن عن انضمام إيران، إثيوبيا، ومصر في 2024، فيما تنضم إندونيسيا رسميًا في 2025.

وبهذا التوسع، تقول الأستاذة: “بريكس بلس أصبحت تمثل 48.28% من سكان العالم (نحو 3.89 مليار نسمة)، وتستحوذ على أكثر من 40% من إنتاج النفط الخام العالمي. كما تجاوزت حصة بريكس في الناتج المحلي العالمي (بالمعيار الشرائي) 35%، متفوقة على مجموعة G7 التي تراجعت إلى 29% في 2024”.


مشكلة التمثيل الدولي… وغياب العدالة

رغم هذه القوة، فإن تمثيل دول بريكس في المؤسسات الدولية ما يزال دون حجمها الحقيقي. تقول السيدة نصرواي: “بريكس بلس تملك فقط 18.61% من حقوق التصويت داخل صندوق النقد الدولي، بينما تملك مجموعة السبع 42%، وهذا خلل صارخ. الصين، ثاني اقتصاد عالمي، لا تملك سوى 6.4% من حقوق التصويت، مقابل أكثر من 16% للولايات المتحدة”.

وأضافت أن هذا التفاوت في التمثيل يتناقض مع وزن هذه الدول في الساحة الاقتصادية والديمغرافية، مما يفرض ضرورة إجراء إصلاحات عاجلة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومجلس الأمن، خاصة وأن أفريقيا وأمريكا اللاتينية لا تملكان أي تمثيل دائم في هذا الأخير، رغم حجمهما البشري والاقتصادي.


أهداف استراتيجية… ونظام عالمي جديد

تحدثت الأستاذة نصرواي بن مراد عن الأهداف الاستراتيجية لبريكس، مؤكدة أنها تجاوزت الطموحات الاقتصادية إلى ما هو أعمق، وهي “إعادة صياغة الحوكمة العالمية” عبر إصلاح المؤسسات الكبرى كالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، لتحقيق عدالة دولية أكبر.

وفي قمة ريو دي جانيرو (جويلية 2025)، شدد الأعضاء على:

  • دعم التعددية القطبية.
  • تعزيز السلام في مناطق النزاع، خصوصًا في إفريقيا وغزة.
  • تمويل جهود مواجهة التغيرات المناخية.
  • إطلاق مشاريع تقنية واستحداث “مجلس فضائي”.
  • التقدم في مجال الحوكمة الرقمية والذكاء الاصطناعي.

كما وقّعت البرازيل اتفاقًا تجاريًا تاريخيًا مع الصين باليوان، معتبرة الأستاذة نصرواي هذا الاتفاق “خطوة مفصلية نحو فك التبعية للدولار الأمريكي”، واصفةً الرئيس بوتين بـ”رجل القرن”، ومشيدةً بموقفه الجريء.


قمة كازان 2024: لحظة مفصلية في النظام العالمي

تناولت الأستاذة كذلك قمة كازان في أكتوبر 2024، واصفة إياها بـ”الحدث السياسي الأهم منذ الحرب العالمية الثانية”، حيث شهدت حضور نحو 30 رئيس دولة. وأبرزت ثلاثة محاور رئيسية:

  1. أمن الطاقة: بريكس تسيطر الآن على 44% من الإنتاج العالمي للنفط الخام.
  2. منصة دبلوماسية مستقلة: توفر فضاءً غير غربي لحل النزاعات الثنائية، مثال ذلك الأزمة بين الصين والهند.
  3. مواجهة العقوبات الغربية: حيث أصبحت بريكس “مساحة حرة من العقوبات”، وتسعى لتأسيس نظام مالي عالمي بديل.

ومن نتائج القمة، أعلنت بريكس عن فئة جديدة هي “الدول الشريكة”، تمهيدًا لانضمامها الكامل. تضم هذه الفئة: بيلاروسيا، بوليفيا، أوزبكستان، كازاخستان، أوغندا، نيجيريا، فيتنام، ماليزيا، تايلاند، وكوبا. وتقول الأستاذة: “بإضافة هؤلاء، تصبح بريكس وشركاؤها يمثلون أكثر من 51% من سكان العالم و40% من الناتج العالمي”.


دعوة لتونس: “الفرصة الذهبية ما تزال متاحة”

ختمت الأستاذة نصرواي بن مراد حديثها بدعوة صريحة للدبلوماسية التونسية:
“لقد دعوت مرارًا لانضمام تونس إلى هذا التكتل أو على الأقل التواجد فيه كدولة مراقبة. الانخراط في بريكس سيمنحنا فرص تمويل هامة في مجال المناخ والتكنولوجيا والاقتصاد الأخضر. هذه هي الدبلوماسية الذكية التي نحتاجها اليوم.”


نحو نظام ما بعد “بريتون وودز”؟

وختمت الأستاذة حبيب نصرواي بن مراد اللقاء بالإشارة إلى أن المرحلة القادمة ستشهد نقاشًا معمقًا حول “نهاية هيمنة الدولار”، وما إذا كان العالم بصدد الانتقال إلى نظام مالي عالمي جديد، وهو ما ستعود لمناقشته في حوار لاحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى