عربية

“سكن الليل”… ونطقت الهيبة في حزن فيروز

لحظات نادرة، موجعة لكنها مؤثرة، تعيد إلينا صرحًا كبيرًا وأيقونة… أميرة الصمت والوقار، فيروز.

رحل الابن البكر لفيروز، متعدد المواهب: مسرحي، موسيقي، شاعر، ملحن، عازف، وكاتب.
ورغم ثقل وعِظم المصاب، ظهرت فيروز بوقارها وصمتها المهيب، كصرح شامخ لا يُذكرنا إلا بالقليل من النجوم العالميين.
فيروز الأم، ظهرت خلال اليومين الأخيرين من مراسم جنازة ابنها زياد بلغة الصمت، تحمل ثقل معاني الحزن والألم، بمزيج من الكرامة والقوة. وكأنّه، برحيله، يهدي العالم لحظات نادرة لهذه الفيروزة!

كان زياد، في حياته، يقدم لنا فيروز كما يراها… جارة القمر، سيدة الصباح، تغني للحنين وللبيوت العتيقة.
واليوم، وهو غائبٌ حاضر، قدمها لنا دون أن تتكلم، لكنها تنبض بمعانٍ تنضح من حبر الحكايات؛ ككتاب قديم بجلدة من زمن الملوك، أو كزجاجة عطر شرقيّ معتّق.

وهج فيروز… ختم الشرعية لبعض “الفنانين”

فيروز هي النجم الوحيد الذي لم تبتذله الشاشات، وكأنها تقدم درسًا للفنانين عن قوة الحضور، لا الحضور المبتذل والمتكرر.
فصنعت لنفسها صرحًا جعل الجميع يتهافت للتعزية، طمعًا في رؤية الرمز، كطمع زائرٍ في اكتشاف زخارف منمقة على جدران صرح تاريخي، فيه نقش ذهبيّ لتاريخ مجيد لا مثيل له.
وكانت جنازة زياد بمثابة “فيزا عبور” لبعض المتسلقين إلى وهم النجومية، حضروا لا للتعزية، بل لتُسجّل الكاميرا لحظة فارقة في حياتهم قرب هالة فيروز، وكأن الحدث بوابة عبور أو “validation” بأنهم فنانون!

ولكن هيهات!
الهيبة لا تُشترى ولا تُباع، وليست عدوى تُكتسب بالاحتكاك أو حتى بالتقليد!
هيبة الحضور لا تُدرّس ولا تُصطنع. إما أن تُولد بها، أو تبقى عمرك كله تركض ركض الوحوش في البرية، وراء ظلّ مالكها طمعًا في إدراكها… دون جدوى.

ولهذا، لم تتكلم فيروز. لكنها قالت كل شيء.
لم تمنحهم شيئًا، لكنهم توهّموا أنهم نالوا الكثير!

ش. العباسي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى