مأساة الدكاترة العاطلين في تونس: سنوات من الدراسة تنتهي بانتظار “مناظرة” لا تأتي إلا نادراً

تعيش شريحة واسعة من حاملي شهادة الدكتوراه في تونس وضعاً مهنياً مأزوماً، وسط بطالة طويلة الأمد ومعاناة اقتصادية واجتماعية، رغم أن هؤلاء أمضوا أكثر من 25 عاماً في مقاعد الدراسة والبحث العلمي.
وفق شهادات بعض الدكاترة، من بينهم الدكتور المعطّل عن العمل دانيال حاجي، فإن مسار الانتداب في الوظيفة العمومية يتم عبر ما يُعرف بـ”المناظرة” التي تُفتح على فترات متباعدة، إذ لا تُنظَّم أحياناً إلا مرة واحدة كل أربع سنوات، بعد أن كانت قد توقفت لست سنوات متتالية في فترة سابقة. وخلال هذه الفترات، يتكدّس آلاف الدكاترة في سوق البطالة.
توضح المعطيات أن بعض الاختصاصات تشهد منافسة شديدة، حيث يتقدم خمسون مترشحاً لشغل خطة واحدة فقط، ما يعني قبول مترشح واحد وعودة 49 آخرين إلى البطالة. وفي اختصاصات أخرى، يبلغ عدد الدكاترة المسجّلين أكثر من ألف، بينما تفتح الدولة 16 خطة فقط، يتم انتداب 12 منهم على الأكثر، فيما يُطلب من البقية “تحسين ملفاتهم” رغم تجاوز أعمار الكثيرين الأربعين عاماً.
العبء المالي للمشاركة في هذه المناظرات ليس هيّناً، إذ تتطلب من المترشح دفع ما يقارب ألف دينار أو أكثر لتغطية تكاليف الطباعة، والوثائق، والتنقلات، ما يثقل كاهل الباحثين عن فرصة عمل. وفي بعض الحالات، أدى الإحباط والضغط النفسي الناتج عن هذا الواقع إلى الانهيار التام أو حتى الانتحار.
حتى من يُقبلون للتدريس في صفة “مدرّسين عرضيين” لا يحصلون على استقرار مهني، حيث يتقاضون نحو 1100 دينار فقط مقابل عام كامل من العمل، دون أي حقوق اجتماعية، ولا يتم صرف المبلغ إلا بعد مرور سنة أو سنتين على نهاية العمل.
هذه الظروف دفعت بالكثير من الدكاترة إلى الاعتصام والاحتجاج أمام مقر وزارة التعليم العالي، في محاولة للفت الانتباه إلى قضيتهم. المفارقة المؤلمة، كما يصفها الدكتور حاجي، أن هذه الوزارة نفسها هي التي منحتهم أعلى شهادة أكاديمية، وأقرّت بكفاءتهم العلمية، لكنها في الوقت نفسه تعجز عن توفير مسار مهني يليق بتلك الكفاءة.