تونس واستراتيجيتها في عالم متفتت: تحليل دقيق للدكتور سامي المنسي
تونس بين التحديات والفرص: نحو إعادة تموضع اقتصادي وجيوسياسي

استضاف برنامج “إيكوسفير” على موجات إذاعة RTCI، يوم الخميس 2 أكتوبر 2025، الأستاذ الجامعي والدكتور سامي المنسي، رئيس قسم الاقتصاد بالمدرسة العليا للتجارة بتونس، للحديث حول مستقبل تونس في ظل التحولات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.
في بداية الحوار، استعرض الدكتور المنسي تجربته في الولايات المتحدة، حيث شارك في برنامج ثقافي وتعليمي ممول من الحكومة الأمريكية، زار خلاله مؤسسات مالية وجامعات مرموقة مثل هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كما شارك في مناقشات بالـ American Enterprise Institute، وزار صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة. وقد سمحت له هذه التجربة بتأسيس تعاون أكاديمي بين الجامعة التونسية وعدد من الجامعات الأمريكية والبرازيلية، ما يعكس أهمية الانفتاح على البحث والتعاون الدولي لتعزيز القدرات الأكاديمية الوطنية.
التحولات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية
تطرق الحوار بعد ذلك إلى موضوع التفكك الاقتصادي والتموضع الاستراتيجي في عالم متعدد الأقطاب. أشار الدكتور المنسي إلى أن الاقتصاد العالمي يشهد مرحلة من الانقسام والتجزئة، تتجلى في تراجع التبادلات التجارية الدولية وإعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية، مع تصاعد الصراعات بين القوى الكبرى: الولايات المتحدة، الصين، روسيا والاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن العولمة لم تختفِ، لكنها تغيرت، فهي اليوم أكثر تجزئة وأحيانًا صراعًا، حيث أصبحت الاعتمادية الاقتصادية أداة للنفوذ السياسي بدلًا من عامل استقرار، ما أوجد ما يمكن تسميته بـ “الحرب الاقتصادية الباردة” بين الأقطاب.
كما أشار إلى تركيز الصين على السلع الاستراتيجية، وفرض الولايات المتحدة قيودًا على التكنولوجيا والصناعة لإعادة هيكلة الإنتاج وتقليل الاعتماد على المنافسين الجيوسياسيين، بينما يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق استقلالية استراتيجية مفتوحة توازن بين الشراكات والابتعاد عن الصراعات المباشرة.
فرص وتحديات تونس في هذا السياق
حول موقع تونس في هذا المشهد المعقد، بيّن الدكتور المنسي أن تونس تواجه تحديات كبيرة بسبب اعتمادها المفرط على التصدير إلى مناطق غير مستقرة جيوسياسيًا، خصوصًا الاتحاد الأوروبي والمغرب الكبير في قطاع الطاقة. ومع ذلك، فإن البلاد تمتلك فرصًا حقيقية للنهوض، أهمها:
-
تنويع الشراكات الدولية: تعزيز التعاون مع إفريقيا جنوب الصحراء، آسيا الناشئة، دول الخليج، مع الحفاظ على الحياد الفاعل لتجنب الانحياز لأي كتلة جيوسياسية بعينها.
-
الاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية: مثل التكنولوجيا الرقمية، الطاقة المتجددة، الخدمات المالية الحديثة، والبيوتكنولوجيا.
-
تطوير البنية التحتية اللوجستية والرقمية: لتصبح تونس محورًا إقليميًا موثوقًا بين أوروبا، إفريقيا، والشرق الأوسط.
-
استثمار رأس المال البشري: بفضل شباب مؤهل تجاوز عددهم 250 ألف طالب في التعليم العالي، يمثلون ثروة وطنية يمكن توجيهها نحو الابتكار والبحث العلمي والدبلوماسية الاقتصادية.
الدبلوماسية الاقتصادية كأداة استراتيجية
شدد الدكتور المنسي على أهمية الدبلوماسية الاقتصادية والأكاديمية والثقافية في تعزيز مكانة تونس في العالم، مؤكداً أن البلد يجب أن يسعى إلى إعادة التموضع الاستراتيجي عبر الانفتاح على العالم مع الحفاظ على سيادته الاقتصادية، بعيدًا عن الانعزال أو التبعية لأي قوة كبرى.
وأوضح أن القدرة على إدماج تونس في سلاسل القيمة الإقليمية تتطلب عقلية استراتيجية واضحة، واستغلال الموقع الجغرافي المتميز للبلاد، وتعزيز الكفاءات الوطنية، مع التركيز على القطاعات الحيوية.
اختتم الحوار بتأكيد الدكتور المنسي على أن تونس، رغم صغر حجمها، تملك مقومات تؤهلها للعب دور مؤثر في عالم متفتت: شباب مؤهل، موارد طبيعية، موقع استراتيجي، وإمكانات للتنوع الاقتصادي. وللاستفادة من هذه المقومات، يجب على تونس إعادة التفكير في استراتيجيتها الاقتصادية والدبلوماسية، وتعزيز شراكاتها، وتطوير بنيتها التحتية، وحماية قطاعاتها الاستراتيجية، لضمان مكانة متينة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.