اقتصاد

تونس بين تضخم مرتفع ودينار متراجع: تحذيرات دولية من أزمة مالية وشيكة

تراجع التضخم في أوروبا… وتونس تسير عكس الاتجاه

شهد الاتحاد الأوروبي انخفاضًا لافتًا في معدل التضخم خلال شهر أكتوبر، ليستقر عند 2.1% فقط، وهو مؤشر على تعافي اقتصادي نسبي داخل التكتل الأوروبي بعد سنوات من الضغوط التضخمية.
في المقابل، ما تزال تونس تسجل معدل تضخم مرتفعًا بلغ 5%، أي أكثر من ضعف المعدل الأوروبي تقريبًا، رغم أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأول لتونس. هذا الفارق في معدلات التضخم يعكس اختلال التوازن بين الاقتصاد التونسي وشركائه الأساسيين، ويشير إلى فقدان التنافسية السعرية للمنتجات التونسية في الأسواق الأوروبية.


سياسات نقدية مثيرة للجدل وضغوط متصاعدة على القطاع البنكي

في تقرير حديث، دقّت وكالة “فيتش ريتنج” (Fitch Ratings) ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بـ«القيود الثقيلة» التي تثقل كاهل النظام المصرفي التونسي.
وأرجعت الوكالة هذه الصعوبات إلى السياسات الاقتصادية الحالية التي يتبناها الرئيس قيس سعيد، والتي تقوم على شعار “الاعتماد على الذات” مع الاعتماد المفرط على تمويل البنك المركزي عبر ما يُعرف بسياسة طباعة النقود.
هذه المقاربة، بحسب “فيتش”، تضعف ثقة المستثمرين، وتؤدي إلى ارتفاع القروض المتعثرة وإفلاس عدد متزايد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في وقت تواجه فيه البنوك ضغوطًا متصاعدة من الاقتراض الحكومي المفرط.


انخفاض الدينار التونسي… فاتورة باهظة بالعملة الأجنبية

تراجعت قيمة الدينار التونسي بنسبة 3.5% منذ بداية العام أمام اليورو، وهو ما انعكس مباشرة على تكلفة خدمة الدين الخارجي.
وبحسب تقديرات الخبير الاقتصادي العربي بن بوهالي، فإن تونس دفعت 1.82 مليار دينار إضافية هذا العام للمقرضين الأجانب كفرق ناتج عن تراجع سعر الصرف.
ويضيف أن كل انخفاض بنسبة 1% في قيمة الدينار يكلف الدولة حوالي 520 مليون دينار إضافية، وهو ما ينعكس سلبًا على ميزانية الدولة، ويؤدي إلى مزيد من الاقتراض لتغطية النفقات العامة خلال السنوات المقبلة.


عجز متزايد في الميزانية والطاقة… وتباطؤ في النمو الحقيقي

يتوقع بن بوهالي أن يواجه الاقتصاد التونسي عجزًا أكبر في ميزانية عام 2026، إلى جانب عجز متفاقم في ميزان الطاقة خلال عامي 2026 و2027، في ظل استمرار تراجع الدينار وارتفاع أسعار الاستيراد.
ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (PIB Nominal) قد يظهر نموًا اسميًا بسبب ارتفاع الأسعار، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (PIB Réel) — بعد استبعاد التضخم — لا يُظهر نموًا فعليًا.
بمعنى آخر، فإن تونس لا تنمو اقتصاديًا بقدر ما تتوسع ديونها عامًا بعد عام، ما يجعل الاستدانة السبيل الوحيد لسد العجز المتكرر.


تحذير من فيتش: النظام المصرفي تحت الضغط والدين العام في مستويات قياسية

تؤكد وكالة “فيتش” في أحدث تقاريرها أن القطاع البنكي التونسي يواجه مخاطر متزايدة، بسبب ارتفاع القروض المتعثرة، وتزايد حالات إفلاس الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن الاقتراض الحكومي المفرط الذي يضغط على السيولة ويقيد قدرة البنوك على تمويل القطاع الخاص.
وفي ظل هذه المعطيات، من المنتظر أن يصل الدين العمومي التونسي إلى نحو 147 مليار دينار مع نهاية هذا العام — وهو رقم قياسي غير مسبوق يضع البلاد أمام تحديات مالية حادة تتطلب إصلاحات عاجلة وهيكلية في السياسة الاقتصادية والنقدية.


خلاصة المشهد: اقتصاد على مفترق طرق

تعيش تونس اليوم مرحلة دقيقة من تاريخها الاقتصادي، إذ تتقاطع ضغوط التضخم، وضعف الدينار، وتزايد المديونية، مع تراجع ثقة المؤسسات الدولية في توجهاتها الاقتصادية.
ويرى المراقبون أن تجاوز الأزمة يتطلب عودة سريعة إلى الانضباط المالي، وترشيد النفقات، وتحفيز الاستثمار الداخلي والخارجي، إلى جانب إعادة بناء الثقة مع المؤسسات المالية الدولية، قبل أن يتحول التباطؤ الاقتصادي إلى أزمة شاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى