التضخم في تونس مرتفع والدينار ليس الأقوى في إفريقيا: قراءة تحليلية في واقع الاقتصاد التونسي لعام 2025

يؤكد الخبير الاقتصادي العربي بن بوهالي أن التضخم الحقيقي في تونس لا يزال مرتفعًا عند 4.9%، مشيرًا إلى أن هذا المعدل يُعدّ مقلقًا في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة. وفي تدوينة تحليلية نشرها مؤخرًا، فنّد ما وصفه بـ”التصريحات المضللة” حول كون الدينار التونسي هو “أقوى عملة في إفريقيا لعام 2025″، معتبرًا أن هذه المعلومة “رواية زائفة Fake News” ومبنية على سوء فهم للمعطيات النقدية الحقيقية.
الراند الجنوب أفريقي الأقوى في القارة وليس الدينار التونسي

يوضح بن بوهالي أن العملة الأقوى في إفريقيا حاليًا هي الراند الجنوب أفريقي، مستشهدًا ببيانات بلومبرغ، حيث حققت جنوب إفريقيا فائضًا تجاريًا بلغ 1.2 مليار دولار في سبتمبر 2025، وارتفعت صادراتها بنسبة 9.4% على مدار العام، مع فائض تجاري سنوي في 2024 بلغ 7 مليارات دولار. كما يحتفظ البنك المركزي الجنوب أفريقي بـ 125 طنًا من الذهب، بينما يبلغ معدل التضخم هناك 3.4% فقط.
فارق التصنيفات الائتمانية والدخل الفردي
ويضيف أن تصنيف جنوب إفريقيا الائتماني يبلغ Ba2، أي أعلى بأربع درجات من تصنيف تونس (B-)، مشيرًا إلى أن دخل الفرد الجنوب أفريقي في 2025 يبلغ نحو 5,700 دولار أمريكي، في حين لا يتجاوز نصيب الفرد في تونس 3,800 دولار، ما يعكس الفجوة الكبيرة في القوة الشرائية ومستوى الرفاه الاقتصادي بين البلدين.
عجز هيكلي في الميزان التجاري والطاقة بتونس
ويحذر بن بوهالي من العجز المزمن في الميزان التجاري التونسي، والذي تفاقم بفعل العجز في ميزان الطاقة المستمر منذ سنوات. ويشير إلى أن الصادرات التونسية شهدت ركودًا بنمو سلبي في الربع الثاني من العام الجاري، مما زاد الضغط على الحساب الجاري والدينار على حد سواء.
التضخم يفوق شركاء تونس التجاريين
بحسب الخبير، فإن معدل التضخم في تونس (4.9%) أعلى بكثير من معدل التضخم في أوروبا (2.1%) والجزائر (3.7%) والمغرب (2.2%) وليبيا (1.8%) وحتى الصين التي سجلت تضخمًا سالبًا (-0.3%). ويؤكد أن هذا التفاوت يعني تدهورًا حتميًا في قيمة الدينار أمام عملات الشركاء التجاريين.
ضعف شروط التبادل التجاري

كما يشير بن بوهالي إلى أن شروط التبادل التجاري بين تونس والعالم غير متكافئة، إذ تحصل جنوب إفريقيا على مقابل مرتفع لمواردها الطبيعية (الذهب، الفحم، البلاتين)، بينما تبيع تونس زيت الزيتون والفوسفات والمنتجات الصناعية بأسعار أقل، ما يحدّ من قدرتها على تحسين مداخيلها من العملة الصعبة.
احتياطي الذهب الضعيف وتراجع الدينار

ويكشف الخبير أن الدينار التونسي فقد 45% من قيمته مقابل الذهب خلال عام 2025 وحده، مشيرًا إلى أن احتياطي تونس من الذهب لا يتجاوز 6 أطنان فقط، مقارنة بـ 125 طنًا في جنوب إفريقيا و173 طنًا في الجزائر و146 طنًا في ليبيا، وذلك وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي وبنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي.
تمويل بالعجز وتوسع نقدي خطير
ويؤكد بن بوهالي أن البنك المركزي التونسي موّل الحكومة بمبالغ ضخمة تقدر بـ 14,000 مليون دينار خلال عامي 2024–2025، إضافة إلى 11,000 مليون دينار أخرى مرتقبة في 2026، لتمويل الأجور والدعم، وهو ما سيؤدي – حسب تقديره – إلى إضعاف الدينار نتيجة التضخم النقدي.
ويضيف أن نمو المعروض النقدي (M2/M3) بلغ 10.7% في سبتمبر، أي أعلى من معظم شركاء تونس التجاريين. كما أن السيولة النقدية في الاقتصاد الموازي بلغت 26,000 مليون دينار، وهي أعلى من احتياطي النقد الأجنبي الذي يغطي 106 أيام توريد فقط.
تحذيرات دولية من هشاشة النظام المصرفي
وفي هذا السياق، يلفت بن بوهالي إلى تحذيرات وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من المخاطر التي تهدد النظام البنكي التونسي بسبب السياسات النقدية المعتمدة على “التمويل الذاتي” وإصدار النقود لتغطية العجز. ويشير إلى أن نسبة القروض المتعثرة بلغت 15%، فيما يُتوقع أن يرتفع الدين العمومي إلى 147,000 مليون دينار بنهاية العام.
انعكاسات مباشرة على الميزانية والدينار
ويبيّن الخبير أن انخفاض قيمة الدينار بنسبة 3.5% مقابل اليورو خلال 2025 أدى إلى زيادة في كلفة خدمة الدين الخارجي، ما أجبر تونس على دفع 1,820 مليون دينار إضافية لدائنيها الأوروبيين، وهو ما يفاقم عجز ميزانية 2026 و2027.
ويضيف أن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي (PIB Nominal) يبدو في حالة نمو، لكنه في الحقيقة راكد بالقيمة الحقيقية (PIB Réel)، إذ يعادل اليوم تقريبًا مستوى عام 2019، بينما يواصل الدين العام الارتفاع سنويًا.
حلول مقترحة لكبح التضخم وإنعاش الدينار
وفي ختام تحليله، يقترح بن بوهالي حزمة من الإجراءات النقدية والمالية العاجلة، أبرزها:
-
تفعيل أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، مثل شراء البنك المركزي ديون البنك الوطني الفلاحي وديوان الحبوب لتوفير قروض ميسّرة للفلاحين، ما قد يرفع الإنتاج الغذائي ويخفض تضخم أسعار المواد الغذائية.
-
شراء ديون الفنادق المغلقة من بنك STB لإعادة تنشيط القطاع السياحي.
-
منح قروض منخفضة الفائدة لشركات الدولة الكبرى مثل STEG وETAP وSTIR وTunisAir لتخفيف ديونها وبالتالي خفض كلفة الطاقة والأسعار على المستهلكين.
-
خفض ضرائب الشركات وتشجيع المؤسسات المدرجة في بورصة تونس (BVMT) على التوسع نحو السوقين الليبية والجزائرية لجلب العملة الصعبة ورفع قيمة الدينار.
ويختم بن بوهالي بأن تنفيذ هذه الإجراءات من شأنه خفض التضخم إلى 2% وإعادة الاستقرار النقدي والمالي لتونس.



