قريبًا في المكتبات: “صرح إلى السماء” – أميمة ملائكي تُعيد الحياة للقلوب الضائعة

في عالم الأدب، حيث تتشابك الحكاية مع الروح، تصدح أصوات الروائيّين لتذكّرنا بأن القصة ليست مجرد حدث يُروى، بل حياة تتنفس قبل أن تتحول إلى عبرة. في روايتها الجديدة «صرح إلى السماء»، تعود الروائية أميمة ملائكي لتأخذنا في رحلة زمنية وروحية إلى عمق مصر القديمة، حيث تتقاطع الأسطورة مع الحقيقة، والسحر مع اليقين، والسلطان مع الحرية.
تستحضر الرواية أثر قوم صالحين خفت ذكرهم في كتب التاريخ، رغم أن القرآن الكريم شهد لهم في لحظة فارقة، حين انخلعت قلوبهم عن سلطان الدنيا واستسلمت لهدي الله. أمام آية موسى، تتباين القلوب: فمن أضاءه الله تُبصره، ومن بقي مستكبرًا لا تزيده الآيات إلا طغيانًا. أما سحرة فرعون، فلا يُهزمون أمام موسى في مواجهة خارجية، بل ينهزمون داخليًا، حين تتبدد قيود الكبر والجهل والسحر في نفوسهم، فينالون الحرية التي تعجز عنها الممالك، ويكتبون بشجاعتهم شهادة الإيمان، ليخلّدهم الله في سور الأعراف، والشعراء، وطه، ويونس.
تنسج ملائكي روايتها بين بعدين متداخلين:
البعد الملموس: زمن ومكان ينبضان بالحياة؛ روائح طمي النيل، أجواء شمال مصر وجنوبها، تفاصيل الحياة اليومية التي تعيد المخيلة إحياء الحضارة لا بوصفها مجرد تاريخ، بل حاضر يُعاش. نرى في الرواية كيف امتدت خيوط السحر داخل المعابد، وكيف سعى فرعون لارتقاء مقام الألوهية، محاولًا أن يصنع مجده من زيف، بينما الحقّ يعلو بلا منازع.
البعد الروحي: رحلة القلوب بين الكفر والإيمان، بين الشك واليقين، بين سلطان العرش وسلطة اليقين الداخلي. قلوب هامان وفرعون والكهنة تتقابل مع قلوب السحرة وآسيا وباهيا، لتكشف أن القوة الحقيقية ليست في الذهب ولا السوط، بل في اليقين الذي يحرر الروح قبل الجسد، ويمنحها نورًا لا يُخيفه صلب، ولا تُغريه دنيا.
«صرح إلى السماء» هو تكريم لأولئك الذين قُطعت أجسادهم لكن لم تُقطع أرواحهم. ربما همس ياد وجيكاي وهلاسي وبتاري وأتاري بحكاياتهم للكاتبة، لتكتب عنهم آلاف السنين بعد رحيلهم، وتعيد لهم الحياة عبر كلمات تُبصر قبل أن تُقرأ.
فلْيستعد القارئ ليس فقط ليقرأ، بل ليبصر… فبعض القصص تُعاش بالروح قبل أن تُسطر على الورق.
