القمار الإلكتروني في تونس.. من لهوٍ إلى كارثة اجتماعية

في وقتٍ تتزايد فيه قصص المآسي المرتبطة بالقمار الإلكتروني، يتساءل التونسيون اليوم: إلى أين وصلت هذه الظاهرة؟ وهل من حلٍّ لإيقافها قبل أن تدمّر المزيد من العائلات؟
من بين القصص التي تتردّد في الشارع التونسي، قصة جلال، الذي خسر أكثر من مليارين في القمار. باع عمارةً كانت مصدر رزقه، ثم ثلاث سيارات، ليغرق في دوّامة الإدمان على اللعب الإلكتروني. أما زوجته، فكانت تخرج في ساعاتٍ متأخرة من الليل، تبحث عنه في المقاهي أملاً في إنقاذ ما تبقّى من عائلتها.
قصة جلال ليست الوحيدة. فهناك من يقامر براتبه الشهري، ومن يبيع ممتلكاته على أمل “ضربة حظّ” تغيّر حياته، لكنها غالبًا ما تنتهي بكارثة مالية ونفسية.
⚖️ فراغ قانوني وتحدٍّ تنظيمي
من الناحية القانونية، القمار الإلكتروني غير مرخّص له في تونس. وتعتبر مشاركة المواطن التونسي في مواقع المراهنات الأجنبية مخالفةً للقانون. ومع ذلك، تنتشر هذه المواقع على نطاق واسع دون رقابة فعلية، وهو ما يجعل من ضبطها أمرًا صعبًا في ظلّ غياب نصّ تشريعي واضح.
تخضع بعض أنشطة القمار التقليدية (كالمراهنات الرياضية أو كازينوهات الدولة) لإشرافٍ محدود، لكنّ النشاط الرقمي، الذي ينمو بسرعة عبر الإنترنت، ما يزال خارج السيطرة. وقد أشار خبراء قانونيون إلى أنّ الدولة تعترف ضمنيًا بوجوده من خلال فرض ضرائب على بعض أنشطة المراهنات، رغم غياب إطار شامل ينظّمه.
📉 أزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة
يتحوّل القمار، بالنسبة للكثيرين، من تسليةٍ إلى إدمانٍ كامل يدمّر الأسر ويقود إلى الإفلاس. فبحسب المختصين، الإدمان على القمار يشبه في آلياته إدمان المخدّرات، إذ يخلق ارتباطًا نفسيًا قويًا ورغبة قهرية في المجازفة.
ويؤكد أطباء نفسيون أن القمار أصبح من أبرز أسباب التفكك الأسري والجرائم المالية في تونس، مع تسجيل حالاتٍ متزايدة لأشخاصٍ يقترضون أو يسرقون من أجل “اللعب”.
🚨 غياب الأرقام الرسمية
رغم تفاقم الظاهرة، لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد الأسر المتضرّرة من القمار في تونس. كما لم تُعلن وزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة الداخلية عن خطة وطنية واضحة لمراقبة محلات القمار أو مواقع المراهنات.
وتبقى حملات الغلق محدودة، في ظلّ استمرار نشاط “محلات القمار الإلكترونية” في بعض المدن الكبرى، خاصة تلك التي تقدّم خدمات الإنترنت والألعاب عبر الرهان النقدي.
🧩 نحو حلول واقعية
يرى خبراء الاقتصاد والاجتماع أنّ الحلّ لا يكون بالقمع فقط، بل عبر خطة وطنية شاملة تشمل:
-
إنشاء قاعدة بيانات وطنية ترصد الظاهرة وتوثّق الأضرار المالية والاجتماعية.
-
وضع قانون واضح ينظّم المراهنات الرقمية ويمنع الاستغلال غير المشروع.
-
فتح مراكز علاج ودعم نفسي للمصابين بإدمان القمار.
-
تنظيم حملات توعوية خاصة لدى الشباب حول مخاطره.
-
مراقبة وإغلاق المحلات غير المرخّصة التي تمارس أنشطة القمار.
القمار لم يعد مجرّد لعبة، بل ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدّد الاستقرار الأسري والاقتصادي في تونس. فبين من باع رزقه، ومن خسر عائلته، ومن ضاعت مستقبله في “ضغطة زر”، تبقى الحاجة ملحّة إلى تحرّك وطني عاجل يوقف هذا النزيف قبل أن يتحوّل إلى وباءٍ صامت.



