في ذكرى اغتياله: فرحات حشاد… صوت الحرية الذي تحدّى الاستعمار ما زال يتردّد

تعود اليوم، الخامس من ديسمبر، الذكرى الثالثة والسبعون لاغتيال الزعيم النقابي والمناضل الوطني فرحات حشاد، أحد أبرز رموز الحركة الوطنية والنقابية في تونس، الذي سقط شهيداً في مثل هذا اليوم من سنة 1952 بضاحية رادس بالعاصمة، وهو في طريقه إلى المقرّ المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل.
من قرقنة إلى قيادة الحركة النقابية
وُلد فرحات حشاد في 2 فيفري 1914 بجزيرة قرقنة، وترعرع في بيئة بسيطة أرست فيه قيم الكرامة والعدل. التحق بالعمل النقابي مبكراً، إذ انضم سنة 1936 إلى نقابة عملة النقل، وقاد إضراباً ناجحاً كشف فيه عن شخصية قيادية وقدرة عالية على التنظيم والتأثير.
واصل حشاد مسيرته في صفاقس، حيث ساهم في تأسيس اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب، مُطالباً بالمساواة بين العمال التونسيين والفرنسيين، ومُجسّداً الوعي المبكر بضرورة ربط النضال الاجتماعي بالكفاح الوطني من أجل الاستقلال.
دور وطني ودولي.. ونشاط أزعج الاستعمار
لم يقتصر تأثير فرحات حشاد على الساحة الوطنية، بل امتدّ إلى الخارج عبر مشاركته في المؤتمرات الدولية ودعمه لتشكيل اتحادات عمالية في شمال إفريقيا. هذا النشاط الواسع منحه شعبية كبيرة وجعله أحد أبرز الأصوات المُدافعة عن حرية الشعوب.
وقد تسبّب حضوره القوي وتأثيره الواسع في إرباك السلطات الاستعمارية الفرنسية، التي فشلت مراراً في إيقافه أو الحدّ من نشاطه، قبل أن يصبح هدفاً مباشراً لعمليات منظمة “اليد الحمراء” المرتبطة بأجهزة الاستعمار.
اغتيال مدبّر.. وحقيقة لم تُكشف كاملة
في صباح 5 ديسمبر 1952، تم اغتيال فرحات حشاد على يد عناصر من “اليد الحمراء” في عملية مخططة، وهو ما أكّده لاحقاً اعتراف أحد عناصر المنظمة في شريط وثائقي بثّته قناة “الجزيرة” سنة 2010.
شكّل اغتيال حشاد صدمة وطنية كبرى، وأشعل موجة غضب واحتجاجات في تونس وعدة دول عربية وإفريقية، وكان من بين الأحداث المفصلية التي عجّلت بتدويل القضية التونسية ودفع مسار الكفاح نحو الاستقلال.
إرث لا يموت وصوت ما زال يصدح
رحل فرحات حشاد جسداً، لكن صوته ما زال يتردّد في ذاكرة التونسيين: “أحبّك يا شعب”. بقي رمزاً للنضال الوطني، وللعمل النقابي الحر، وللشجاعة في مواجهة الاستعمار.
ورغم مرور أكثر من سبعين عاماً على اغتياله، ما تزال القضية تحمل أسراراً لم تُكشف كاملة، وما يزال اسمه محفوراً في الذاكرة الجماعية، يذكّر الأجيال بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن صوت الحق قد يُغتال جسده… لكن لا يمكن إسكات روحه.
