0,5% فقط من العائدات الجبائية… النظام التقديري في قفص الاتهام

أرقام صادمة أعاد طرحها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية لتسلّط الضوء من جديد على عمق الاختلالات داخل المنظومة الجبائية. فرغم أنّ الخاضعين للنظام التقديري يمثّلون قرابة 39% من دافعي الضرائب في تونس، إلا أنّ مساهمتهم في العائدات الجبائية لم تتجاوز 0,5% خلال السنوات الخمس الأخيرة.
معطى اعتبره المعهد، في تقريره الأخير بعنوان «نحو نظام جبائي عادل، محفّز وقادر على الصمود، خدمة لرؤية 2035»، تجسيدًا واضحًا لغياب العدالة الجبائية، ومؤشرًا خطيرًا على خلل هيكلي طال أمده.
عدالة غائبة وتشريعات مُشوِّهة
ويكشف التقرير أنّ النظام الجبائي التونسي يعاني من إخلالات عميقة، سواء على مستوى العدالة الأفقية، أي المساواة بين دافعي الضرائب في أوضاع متشابهة، أو العدالة العمودية المرتبطة بالتدرّج حسب القدرة الضريبية.
وفي هذا السياق، أشار المعهد إلى أنّ تعدّد الأنظمة التفضيلية خلق تشوّهات كبيرة داخل المنظومة، مستندًا إلى دراسة أنجزها مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية سنة 2022، أحصت 347 إجراءً استثنائيًا خارج الإطار الجبائي العام، تسبّبت في التفويت في ما يقارب 2,8% من نمو الناتج الداخلي الخام.
الفقراء يدفعون أكثر؟
أما على مستوى العدالة العمودية، فتكشف الأرقام مفارقة لافتة:
الأسر التي تنتمي إلى 10% من الفئات ذات المستوى المعيشي الأضعف تتحمّل ضغطًا جبائيًا فعليًا في حدود 18,2%، مقابل 16,7% فقط بالنسبة إلى 10% من الأسر الأكثر ثراءً، وفق مؤشر التدرّج الجبائي لسنة 2023 الصادر عن المعهد الوطني للإحصاء.
وهو ما دفع، بحسب التقرير، إلى مراجعة سلم الضريبة على الدخل ضمن قانون المالية لسنة 2025، عبر رفع النسبة القصوى إلى 40% وإعادة ضبط الشرائح.
نظام معقّد ومردودية ضعيفة
ولم يتوقّف التشخيص عند هذا الحدّ، إذ سلّط المعهد الضوء على تعقّد المنظومة الجبائية، مشيرًا إلى إقرار أكثر من 1000 إجراء جبائي في أقل من 14 سنة، ما خلق حالة من عدم الاستقرار التشريعي، أضرّت بالاستثمار ورفعت كلفة الامتثال على المؤسسات.
أما من حيث المردودية، فتظهر تونس فجوة واضحة مقارنة بالمعايير الدولية، إذ لا يتجاوز معدل العائدات الجبائية 25,2% من الناتج الداخلي الخام، مقابل 33,9% في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سنة 2023.
فجوة بـ5 مليارات دينار… وحلّ ممكن
وقدّر المعهد ما يُعرف بـالفجوة الجبائية، أي الفرق بين الإيرادات المحتملة وتلك المُحصّلة فعليًا، بنحو 4,2% من الناتج الداخلي الخام، أي ما يعادل 5,2 مليارات دينار.
ويرى المعهد أنّ تجاوز هذا الوضع يمرّ حتمًا عبر إصلاح جبائي هيكلي، يقوم على رقمنة شاملة، إرساء جباية خضراء، تعزيز العدالة الجبائية، توسيع الوعاء الضريبي، ومكافحة التهرّب الجبائي، مع ملاءمة التشريعات الوطنية للمعايير الدولية.
أفق 2035: أموال أكثر ونمو أسرع
وبحسب التقديرات، يمكن لهذا الإصلاح أن يرفع العائدات الجبائية بـ3 إلى 4 نقاط من الناتج الداخلي الخام في أفق 2035، أي ما يعادل 4 إلى 5 مليارات دينار سنويًا.
كما أن تبسيط الإجراءات الجبائية وحده قد يرفع الإنتاجية بحوالي 0,5 نقطة سنويًا، وينعكس على النمو الاقتصادي بزيادة تتراوح بين 0,3 و0,4 نقطة سنويًا.
الجباية… مفتاح النمو والعدالة
ويخلص التقرير إلى أنّ الإصلاح الجبائي لا يمكن أن يكون تقنيًا فقط، بل يجب أن يندرج ضمن رؤية استراتيجية شاملة منسجمة مع رؤية تونس 2035، التي تقوم على الحوكمة الرشيدة، اقتصاد تنافسي، تنمية بشرية عادلة، واستدامة بيئية.



