دراسة جديدة: 70٪ من مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء لا يثقون في المنظمات الدولية المعنية بالهجرة

كشفت دراسة ميدانية حديثة بعنوان “المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس: الملامح، المعيش، وانحرافات السياسات الهجرية” أن 70 بالمائة من المهاجرين غير النظاميين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء لا يثقون في المنظمات الدولية المعنية بالهجرة، مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة.
ورأى المستجوبون أن هذه المنظمات باتت، حسب وصفهم، متواطئة مع السياسات الأوروبية، ولا توفر حلولاً إنسانية كافية أو فعّالة لتحسين أوضاعهم.
نتائج صادمة من دراسة علمية ميدانية
الدراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مخبر ECUMUS بجامعة صفاقس، وأشرف عليها الدكتور زهير بن جنات، أستاذ علم الاجتماع، وقد تم تقديمها رسمياً يوم الثلاثاء 8 جويلية 2025، بعد تنفيذها خلال النصف الأول من سنة 2024 في عدد من الولايات، شملت بالأساس تونس الكبرى، مدنين (جرجيس)، وصفاقس (العامرة وجبنيانة).
اعتمد الفريق البحثي على مزيج من الأدوات الكمية والنوعية، أبرزها توزيع 402 استبيان (تم تحليل 397 منها)، إلى جانب مقابلات معمّقة، ومجموعات تركيز (Focus Groups) مع مهاجرين غير نظاميين، مما منح الدراسة طابعًا ميدانيًا معمّقًا وواقعيًا.
الثقة المفقودة في المنظمات الدولية
جاءت واحدة من أبرز النتائج المثيرة في الدراسة أن:
-
70٪ من المهاجرين لا يثقون في المنظمات الدولية المعنية بالهجرة.
-
يعتقدون أن هذه المنظمات لا تمثل مصالحهم ولا تدافع عن حقوقهم، بل تتماشى مع أجندات أوروبية تُركّز على الحدّ من الهجرة أكثر من تقديم الحماية.
وقالت الباحثة ياسمين عكريمي، إحدى المشاركات في الدراسة، إن عدداً كبيراً من المهاجرين عبّروا عن شعورهم بأن هذه المنظمات جزء من المشكلة وليس من الحل، خاصة مع غياب تدخل فعلي يضمن السكن، الحماية القانونية، أو حتى الرعاية الصحية الأساسية.
كيف يصلون إلى تونس؟
كشفت الدراسة أن:
-
85٪ من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء دخلوا تونس عبر الحدود البرية،
-
60٪ عبر الحدود الجزائرية
-
25٪ عبر الحدود الليبية
-
-
بينما دخل 14٪ عبر المطارات، مستفيدين من غياب شرط التأشيرة لمواطني عدد من الدول الإفريقية.
وأظهرت النتائج أن الهجرة ليست دومًا نتيجة فقر مدقع، بل إن عدداً من المهاجرين يحملون مؤهلات جامعية، ويبحثون عن فرص حياة أفضل.
العنف والاستغلال والمأساة الصامتة
رسمت الدراسة صورة قاتمة للوضع اليومي للمهاجرين:
-
85٪ لم يتلقوا أي دعم يُذكر من المنظمات الدولية.
-
1 من كل 5 مهاجرين تعرض للاستغلال الاقتصادي.
-
30٪ يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
-
40٪ تعرّضوا لعنف جسدي مباشر.
كما أكد الباحثون أن الوضع القانوني الهش لهؤلاء المهاجرين يجعلهم عرضة للانتهاكات الجسيمة، ويُقيد قدرتهم على الوصول إلى الحقوق الأساسية كالسكن، العلاج، والتعليم.
“مقاومة معرفية في وجه الخطاب العنصري”
يرى الدكتور زهير بن جنات أن هذه الدراسة تمثل “مقاومة معرفية” للخطاب العنصري والسياسي الذي يصوّر المهاجرين كعبء أو خطر ديمغرافي وأمني، مؤكدًا أن الهجرة “ظاهرة إنسانية مركبة لا يمكن حصرها في كليشيهات أمنية أو عنصرية”.
وشدد الباحثون على ضرورة تبني مقاربة إنسانية وشاملة لمعالجة ملف الهجرة، تنطلق من الحقوق، الكرامة، والعدالة الاجتماعية، بعيدًا عن منطق الردع أو الاستعمال السياسي.
تطرح هذه الدراسة أسئلة عميقة حول فاعلية وأدوار المنظمات الدولية العاملة في ملف الهجرة، وحول نمط تعاطي الدولة التونسية مع الظاهرة، كما تكشف فجوة الثقة الآخذة في الاتساع بين المهاجرين وهذه المنظمات، وتؤكد الحاجة إلى مقاربات جديدة تُراعي كرامة الإنسان قبل أي اعتبارات أخرى.