لماذا تشعر الأسرة التونسية بأن التضخم الحقيقي أعلى من الأرقام الرسمية؟
الخبير الاقتصادي العربي بن بوهالي يجيب...

شعور المواطن.. وتناقض الأرقام
رغم إعلان المعهد التونسي للإحصاء أن معدل التضخم في سبتمبر بلغ 5% فقط، إلا أن المواطن التونسي يلمس في حياته اليومية تضخمًا يفوق بكثير هذا الرقم. فعند التسوق أو دفع فواتير الخدمات، تبدو الأسعار وكأنها ترتفع بوتيرة أسرع مما تعلنه الجهات الرسمية.
ويعود ذلك، وفق تحليل الخبير الاقتصادي العربي بن بوهالي، إلى أن معدل التضخم التراكمي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام بلغ 5.5%، بينما تشهد بعض القطاعات ارتفاعات حادة تفوق هذا المعدل بكثير.
تضخم يختلف من قطاع إلى آخر
تُظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء أن المنتجات الزراعية ارتفعت أسعارها بنسبة 13.6% خلال الأشهر التسعة الأولى، فيما زادت أسعار الملابس بـ 9.5% والخدمات المالية والتأمينية بـ 8.2%.
هذا التفاوت يجعل الأسر التي تنفق نسبة كبيرة من دخلها على الغذاء والملبس والخدمات الأساسية، أكثر حساسية للتضخم، وتشعر بأن تكاليف معيشتها تتضاعف بوتيرة تفوق المتوسط العام.
الوسطاء واحتكار التسعير
يشير بن بوهالي إلى أن سلاسل التوريد المعقدة وتعدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك، يدفعان أسعار الجملة والتجزئة إلى مستويات مرتفعة.
كما أن مؤشر بورصة تونس BVMT الذي ارتفع بنسبة 21% منذ بداية السنة، يعكس توسع أرباح البنوك وشركات التأمين والتوزيع الكبرى، وهي جهات تمتلك قوة تسعيرية تمكّنها من تمرير ارتفاع التكاليف إلى المستهلك النهائي، مما يعمّق شعور المواطن بغلاء المعيشة.
تآكل القدرة الشرائية
في المقابل، لم تواكب الأجور هذا النسق التصاعدي للأسعار، إذ لم ترتفع إلا بنسبة 2.6% خلال الفترة نفسها، أي أقل من معدل التضخم البالغ 5.5%.
وبالتالي، فقدت الأسر التونسية جزءًا ملموسًا من قدرتها الشرائية، ما جعل الإنفاق اليومي أكثر صعوبة، حتى بالنسبة للفئات المتوسطة.
سياسة نقدية متشددة وضرائب تثقل الإنتاج
أشار بن بوهالي إلى أن البنك المركزي التونسي أبقى سعر الفائدة الرئيسي عند 7.5% بهدف كبح الاستهلاك، في حين رفعت الحكومة الضرائب بنسبة 12% خلال هذا العام.
إلا أن هذه الإجراءات، بدلاً من تخفيف التضخم، ساهمت في تباطؤ الاستثمار والإنتاج، مما قلّص العرض ورفع الأسعار.
ويضيف الخبير أن توجيه الإيرادات الضريبية الإضافية نحو تمويل الأجور والدعم بدلاً من الاستثمار الإنتاجي كان خطأً مكلفًا زاد من اختناق الاقتصاد المحلي.
الفجوة مع الشركاء التجاريين
تُظهر المقارنة الإقليمية أن التضخم في تونس أعلى بكثير من نظرائه في أوروبا (2%) والجزائر (3.7%) والمغرب (2.2%) وليبيا (1.8%).
وهذا الفرق يجعل الدينار التونسي عرضة للانخفاض المستمر، ما يرفع بدوره تكلفة الواردات والإنتاج والدين، ويضعف مدخرات الأسر.
حلول مقترحة للحد من التضخم
يقترح بن بوهالي حزمة من الإجراءات النقدية والمالية المتكاملة لمعالجة التضخم من جذوره:
- تحفيز الإنتاج الزراعي عبر قروض منخفضة الفائدة للفلاحين، بتمويل من البنك المركزي من خلال شراء ديون ديوان الحبوب (ODC) والبنك الوطني الفلاحي (BNA).
- دعم قطاعي الطاقة والنقل عبر قروض ميسّرة لشركتي STEG وETAPE لتقليص ديونهما وخفض تكاليف الإنتاج.
- تخفيض ضرائب الشركات وتشجيعها على التوسع في الأسواق الليبية والجزائرية لتحقيق وفورات الحجم وجلب العم