عماد العيساوي: تونس بلد الشمس الذي يعيش في الظل

تُعدّ تونس من أكثر الدول حظًّا في العالم من حيث الإشعاع الشمسي، إذ تسجّل أكثر من 3000 ساعة من الشمس سنويًا بمعدل يفوق 5 كيلواط/ساعة في المتر المربع يوميًا في أغلب المناطق. ومع ذلك، ما تزال البلاد تعيش أزمة طاقة خانقة، وكأنّ المشكلة ليست في الموارد بل في الرؤية.
الحقيقة أن تونس لا تعاني من فقر طاقي، بل من فقر في القرار وبيروقراطية متكلسة تمنع تحويل أشعة النهار إلى طاقة، وإرادة سياسية عاجزة عن إدراك أن الشمس يمكن أن تكون ركيزة للسيادة الوطنية لا مجرد مورد بيئي.
إمكانيات غير مستغلة
من تطاوين إلى بنزرت، تقع تونس في قلب الحزام الشمسي للمتوسط. وحده الجنوب – تطاوين، قبلي، مدنين، قفصة – قادر على إنتاج أكثر من 20 ألف ميغاواط سنويًا من الكهرباء الشمسية إذا استُغلت 1٪ فقط من أراضيه.
وللمقارنة، فإن الاستهلاك الوطني لا يتجاوز 5 آلاف ميغاواط في أوقات الذروة. أي أن تونس قادرة على تلبية حاجتها بالكامل وتصدير الفائض إلى الخارج.
وفي أوروبا، التي لا تتجاوز فيها ساعات الإشعاع 1800 ساعة سنويًا، تنتج ألمانيا أكثر من 62 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية. أما تونس، فتبقى عند 7٪ فقط من الكهرباء المنتجة من الطاقات المتجددة، رغم الوعود الرسمية بالوصول إلى 30٪ سنة 2030.
مشروع Elmed… فرصة استراتيجية
مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا (Elmed) بطاقة أولية تبلغ 600 ميغاواط، ليس مجرد كابل تحت البحر، بل بوابة نحو السوق الأوروبية للطاقة التي تقدر بمئات المليارات من اليوروهات.
لكن أوروبا تتحرك بسرعة، تبحث عن شركاء استراتيجيين لتأمين طاقتها بعد أزمة الغاز الروسي، فيما تونس ما زالت مترددة بين الدراسات والمناقشات.
☀ الطاقة الشمسية بين البيت والمصنع
تركيب نظام شمسي منزلي بقدرة 3 كيلواط يكلف قرابة 7500 دينار، ويمكن أن يُسترجع المبلغ في غضون 6 إلى 8 سنوات.
وإذا تم تجهيز 500 ألف منزل بأنظمة مشابهة، فستغطي تونس نحو 10٪ من استهلاكها الوطني للكهرباء وتخفف الضغط على الشبكة.
أما على المستوى الصناعي، فالمحطات الشمسية المتوسطة (1 إلى 10 ميغاواط) يمكن أن توفر على المصانع بين 40 و60٪ من فاتورة الطاقة، وتعزز قدرتها التنافسية في التصدير.
مكاسب اقتصادية واجتماعية
محطة شمسية بقدرة 100 ميغاواط، مثل مشروع القيروان، قادرة على تغطية حاجيات 100 ألف منزل وتوفير 80 مليون دينار سنويًا من فاتورة الغاز.
بناء عشر محطات من هذا الحجم يمكن أن يقلّص واردات الغاز بنسبة ملموسة ويوفر آلاف مواطن الشغل في مجالات التصنيع والتركيب والصيانة.
البيروقراطية… العائق الأكبر
رغم كل هذه الإمكانيات، تصطدم مشاريع الطاقة الشمسية في تونس بـجدار إداري صلب.
منظومة التراخيص بطيئة ومعقدة، الشبكة الكهربائية غير مهيأة لاستيعاب الإنتاج المتجدد، والتمويل البنكي المحلي ما زال يعتبر الطاقة الشمسية استثمارًا محفوفًا بالمخاطر.
الشمس كخيار سيادي
الطاقة الشمسية ليست مجرد تقنية… إنها سياسة وسيادة.
بينما بنت دول الخليج مجدها على النفط، يمكن لتونس أن تبني استقلالها على الشمس. فاستثمار 1 غيغاواط من الطاقة الشمسية يتطلب بين 800 و900 مليون دولار، لكنه يوفر عائدات تفوق 150 مليون دولار سنويًا ويخلق عشرات الآلاف من فرص العمل.
في المقابل، تلتهم فاتورة دعم الطاقة ما بين 12 و15٪ من ميزانية الدولة سنويًا.
خفضها عبر الاستثمار في الشمس ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل ضرورة لإنقاذ المالية العمومية وتحويل الجنوب المهمش إلى قاطرة تنمية وطنية.
الوقت يمر… والشمس لا تنتظر
تونس اليوم أمام مفترق حاسم:
إما أن تتحول إلى دولة مصدّرة للطاقة النظيفة تملك قرارها وتفرض مكانتها،
أو تواصل استيراد الضوء من الآخرين.
الشمس ليست مجرد نعمة… إنها اختبار وطني.
ومن يرسب فيه، لا يحق له أن يشتكي من العتمة.
مقال مقتبس من تدوينة للأستاذ عماد العيساوي