عدنان الإمام: ما يحدث في مالي ليس أزمة داخلية بل معركة نفوذ دولية على قلب إفريقيا

تشهد مالي منذ أسابيع توتراً أمنياً خطيراً، أعاد إلى الأذهان مشاهد الفوضى والحروب الأهلية التي عصفت ببعض دول الشرق الأوسط. المدارس مغلقة، الطرق مقطوعة، قوافل النفط تتعرض للهجوم، وعمليات الخطف تستهدف الأجانب. أمام هذا المشهد المعقد، قدّم أستاذ القانون العام والخبير في الشأن الدولي عدنان الإمام قراءة معمّقة للمشهد المالي وتداعياته على القارة الإفريقية بأكملها.
■ جماعات “وظيفية” في خدمة أجندات كبرى
يقول الأستاذ عدنان الإمام إنّ ما يحدث في مالي لا يمكن فصله عن “البراديغمات الكبرى” لفهم الظاهرة الإرهابية في العالم. فبحسب تعبيره:
“الجماعات الإرهابية ليست كيانات ذاتية، بل هي جماعات وظيفية تُستعمل كأدوات من قبل قوى دولية لتحقيق أهداف جيوسياسية واستراتيجية.”
ويرى الإمام أن مالي تمثل “القلب النابض” لما يعرف بتحالف دول الصحراء، وهي دول تسعى للتحرر من الهيمنة الغربية، وخاصة الفرنسية، عبر التقارب مع روسيا في المجال الأمني ومع الصين في المجال الاقتصادي.
لكن هذا التوجه، كما يقول، جعل البلاد ساحة لصراع النفوذ بين الغرب من جهة، والمعسكر الروسي–الصيني من جهة أخرى.
■ أخطاء الحكومة المالية وتفاقم الأزمة
يعتبر الإمام أن السلطات في باماكو ارتكبت أخطاء استراتيجية جسيمة، من أبرزها استعداء مكونات داخلية مهمة، مثل جماعات الطوارق في الشمال، وخروجها من اتفاق الجزائر الذي كان ينظم العلاقة مع هذه الفصائل.
“الحكومة استعدت الجميع تقريباً، ما جعل جبهة نصرة الإسلام والمسلمين تستغل الانقسامات العرقية والمذهبية لتوسع نفوذها في الداخل المالي.”
ويضيف أن هذه الجبهة – وهي فرع من تنظيم القاعدة – نجحت في السيطرة على مساحات واسعة من الريف، وأصبحت تطوّق العاصمة باماكو، وتقطع عنها الإمدادات من النفط والمواد الغذائية.
ورغم أن سقوط العاصمة ليس وشيكاً، إلا أن الإمام يحذر من أن “الوضع الميداني ينذر بانهيار تدريجي للدولة المركزية في حال لم تُعالج الأزمة جذرياً”.
■ الغرب لا يتحرك… لأن مصالحه في أمان
وحول ردود الفعل الدولية الضعيفة تجاه تدهور الأوضاع، أوضح الإمام أن الصمت الغربي ليس مفاجئاً، قائلاً:
“هذه الجماعات تُدار – بشكل مباشر أو غير مباشر – من قوى غربية تمتلك خبرة طويلة في توظيف الإرهاب لتحقيق مصالحها.”
وضرب مثلاً بما حدث في سوريا، حيث تحوّل زعيم جبهة النصرة “أبو محمد الجولاني” – وفق تعبيره – من “إرهابي إلى سياسي يُستقبل في العواصم الكبرى”.
ويضيف أن اللعبة باتت مكشوفة، وأن الغرب يستخدم هذه الجماعات كورقة ضغط في صراعه مع خصومه الجدد في إفريقيا.
■ إفريقيا.. ساحة صراع جديدة بين الشرق والغرب
يرى الإمام أن ما يحدث في مالي يتجاوز حدودها، إذ تمثل البلاد اليوم خط تماس بين محورين عالميين:
-
المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا،
-
والمحور الروسي–الصيني الساعي لترسيخ وجوده في القارة السمراء.
ويحذر من أن سقوط مالي في أيدي الجماعات المسلحة سيعني “نهاية تحالف دول الصحراء” ويفتح الباب أمام انهيار أمني يشمل النيجر وبوركينا فاسو، بل وقد يهدد شمال إفريقيا برمّته.
■ إخفاق روسي وتهديد متصاعد
أما عن الدور الروسي، فيشير الإمام إلى أن موسكو، عبر قوات “الأفريكا كوربس” التي خلفت مجموعة فاغنر، فشلت في تحقيق تقدم حقيقي لأنها عالجت الأزمة من زاوية عسكرية بحتة:
“لم يكن للروس حضور ميداني فعلي أو فهم للتركيبة الأنثروبولوجية للمجتمع المالي، وهو ما جعلهم يخسرون معركة كسب القلوب والعقول.”
وبحسب الإمام، فإن الحل العسكري وحده لا يكفي، لأن جذور الأزمة تمتد إلى الانقسامات القبلية والعرقية، ما يجعل أي تدخل خارجي محدود الفعالية.
■ تداعيات على شمال إفريقيا
ويختم الخبير الدولي بالتحذير من أن تداعيات ما يجري في مالي ستطال حتماً شمال القارة:
“نحن في تونس والجزائر معنيون مباشرة بما يحدث هناك. إذا سقطت باماكو، فسنشهد موجات نزوح قد تصل إلى نصف مليون لاجئ، فضلاً عن خطر تسلل عناصر إرهابية بين صفوفهم.”
ويؤكد أن “الوعي الاستباقي والتحوط الأمني” ضروريان لتجنّب انعكاسات هذا الانفجار الإقليمي.
■
ما يجري في مالي ليس مجرد اضطراب داخلي، بل هو فصل جديد من فصول صراع النفوذ الدولي على ثروات إفريقيا وموقعها الجيوسياسي.
وكما قال الأستاذ عدنان الإمام:
“كلما انسحبت قوة أجنبية من إفريقيا، دخلت أخرى لتملأ الفراغ. وحدها القارة تدفع الثمن.”

