الشاعر.. الشعر: البوابة وما خلفها

صدر هذه الأيام الكتاب الشعري الموجه للطفولة تحت عنوان “الشاعر”لصاحبه الكاتب والشاعر أشرف أبو اليزيد وأمن رسومات الكتاب الفنان التشكيلي حلمي التوني مصحوبا بقراءة شعرية متنية ومضمونية تلامس فضاء الطفل متحدثة معه فارشة له بساط علاء الدين كي يسافر بين قراطيس هذا الكتاب يرى فيه نفسه وتطلعاته وما يجب أن يكون عليه.
ومن هنا يجب أن يكون هو هو يجب أن تكون له رؤية وموقف ووجهة نظر وقد أولاها الشاعر أهمية قصوى منذ أول الكتاب ففي هذه السن الحرجة والدقيقة تطرح إشكالية حياتية غاية في الأهمية هي المهنة في ظاهرها بسيطة لكنها سترسم وتحدد مستقبل الطفل عبر توجيهه إلى شعب علمية أو أدبية تحت رغبات الأولياء وهو كاره لذلك وله طموحاته وتصوراته الطفولية لمستقبله بل طالبا أن يكون له رأيا في الموضوع الذي يرتبط جوهريا بمستقبله هو إذ يقول الشاعر” لم يسألني أحد رأيي” ورأيه أن رفض المهن التي اختيرت له من طرف الأم والأب والجدود والأخوة وأصحابه وكانت المهن رساما وأستاذ لغات وإماما حافظا للقرآن ودكتور ليختار الطفل أن يكون شاعرا وهذا الاختيار قد تكون امتدادا لقراءاته ومطالعاته بالبيت آو بالمكتبة العمومية.
ليتفاعل معه الكاتب- الشاعر ويقدم حياة الأطفال واليافعين ويلامس واقعهم وطموحاتهم لكن بأبيات من الشعر خفيفة تعانق وجدانهم وأحاسيسهم ويمكن تفريع المتن الشعر إلى قسمين آو جناحين أو صدر وعجز.
فالصدر الشعري به الذات البشرية وهي تتشكل وتصقل بهذه الدروس والمفاهيم والعوارض وقد عدد منها الكاتب فكان الإحساس بالآخر في وضعية فالصائم لم يرتبط مباشرة بمقاومة الغرائز والاحتياجات النفسية والجسدية كالأكل والشرب بل نصوم ونجوع وهذه التجربة بها تدبر وعطف وتفكير في الأطفال الذين لا يملكون رغيفا أو أكلا يذهب ما بهم من جوع وعطش كما يقول الشاعر
لكن قبل المغرب فكر في أطفال جوعى أكثر
ليس الصوم مجرد جوعا بل تجربه فيها تدبر
ليواصل دعوته للتفكير في كل شيء مثبتا فكرة أن الطفل في هذه السن صاحب أسئلة عميقة ومحرجة ليفهم محيطه المادي والفكري والاجتماعي ناصحا إياه بعدم الوثوق في الظن والشطط ومعجبا في موطن آخر بإصراره في مثال البحر والقصر الرملي والعمل بلا كلل وبلا عسر ولا يأس كما قال الشاعر:
نعيد بناءها دوما بلا كلل بلا عسر فتدهش موجه البحر
ومما يعمق معارف الطفل وطموحاته وفضوله السفر وما يقدمه للإنسان
من إضافات وعلاقات واكتشافات وأهميه العمل على جعل الاختلاف دافعا للتوازن والتكامل رغم الاختلافات في الجنس واللون والمعتقد والقبول به لإثراء المشهد الاجتماعي والحياتي اليومي مثل” ورود في البستان قد تختلف في الألوان “مع أهمية الصداقة وحب الجيران مضيفا لحياه الطفل أهمية الألعاب الحركية والتي يحتاجها طفل اليوم المشدود لعوالم الحواسيب والهواتف الذكية مثل لعبة الشطرنج وكرة القدم والسباق و تشجيع الأطفال بعضهم لبعض بعد الاعتراف بأن الأخر يمكنه أن يتفوق علينا والكل يتفوق على الفرد وفي الأخير الفرد يتميز عن المجموع عندما يقول البيت الشعري
لكنك أفضلنا في الفن فأرسم وأنسى لون الحزن.
أما عجز البيت فهي الطبيعة التي كانت حاضرة في علاقة الطفل بالنخلة والبحر وتعاقب الليل والنهار والفصول الأربعة والفرس والتمساح والنيل مع ذكر الطيور المهاجرة والتي يرتبط بها الطفل وجدانيا مثل طائر اللقلق والسنونو لأنه يبني أعشاشه بالبيوت على مرأى من الطفولة وكيف تكبر فراخه وكيف يغادر أعشاشه طلبا لرحلة جديدة يعود منها بعد أشهر ليختم بعالم الكتاب والذي وزعه الشاعر بين كتب المطالعة بالمكتبات وبدار الكتب ورفوفها الخشبية وقصصها بأكثر من لغة إذ يقول الشاعر:
” وسطورها تحكي بالعجم والعربي “
وتمثل القراءات فرصة أخرى للطفل للسفر بين دفتي الكتب إلى عدة بلدان والتعرف على معالمها ومواقعها مختلفة عن السفر المادي المرهق والشيق وهذا سفر بلا تعب إذ يقول الشاعر:
سافر إلى اليمن وارحل إلى حلب
غادر إلى طنجة غامر بلا تعب
وهي فرصة للتعرف على شرق الوطن العربي وغربه وأين توجد هذه المدن والعواصم والمطالعة لها طقوسها وتقاليدها وهي القراءة الصامتة كالذهب لأنك في رحاب ومحراب العلم والتعلم والمعارف ولتقريب بعض الصور الشعرية والحياتية التجأ الشاعر إلى كلمات من العامية وذات المشترك العجمي مثل “جولا” و”كارت” والكتب المدرسية التي ترافقه طيلة سنوات التمدرس ليرتبط بها وجدانيا وحسيا معتبرا إياهم ” أصدقاء من ورق” خصص لهم قصيدة إذ يقول
طبعا أحب دفاتري سر النجاح بنهرها
كتبي القديمة رفقتي وأنا أحب سطورها
إن الكتاب الشعري “الشاعر” استطاع به وعبره الشاعر أن يكون الشعر متنا لتصوراته الحياتية والوجدانية والتي ترتبط جدلا بحياة الطفل في هذه السن الحرجة بهدف صقل مواهبه وشخصيته كي يتم تحضيره للغد القريب.
طارق العمراوي


