عدنان الإمام يحذّر: الحصار الأمريكي على فنزويلا إعلان حرب صريح وخطر على النظام الدولي
من عقيدة مونرو إلى «عقيدة ترامب»… واشنطن تعيد رسم خريطة أمريكا اللاتينية بالقوة

في تصعيد خطير يعيد إلى الأذهان أسوأ فصول التاريخ المعاصر، تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وفنزويلا توترًا غير مسبوق، على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض حصار بحري على ناقلات النفط المتجهة من وإلى فنزويلا، بدعوى مكافحة تهريب المخدرات وحماية المصالح الأمريكية.
هذا التطور الخطير كان محور نقاش معمّق في برنامج «الرقعة الدولية»، حيث استضافت المذيعة الأستاذ عدنان الإمام، أستاذ القانون الدولي العام والعلاقات الدولية، والكاتب التونسي المعروف، الذي قدّم قراءة قانونية وجيوسياسية شاملة لما يجري، محذرًا من تداعياته الإقليمية والدولية.
عدنان الإمام: ما يحدث ليس أزمة عابرة بل امتداد لعقيدة أمريكية تاريخية
يرى الأستاذ عدنان الإمام أن فهم التصعيد الأمريكي ضد فنزويلا لا يمكن أن يتم بمعزل عن سياقه التاريخي والفكري، مذكرًا بأن الولايات المتحدة اعتمدت منذ بداية القرن التاسع عشر ما عُرف بـعقيدة مونرو، التي هدفت في ظاهرها إلى منع التدخل الأوروبي في شؤون أمريكا اللاتينية.
غير أن هذه العقيدة – يضيف الإمام – تحولت مع بداية القرن العشرين، خصوصًا في عهد الرئيس ثيودور روزفلت، من مبدأ دفاعي إلى أداة إمبريالية تمنح واشنطن حق التدخل العسكري والسياسي لتغيير الأنظمة في القارة الأمريكية متى تعارضت مع مصالحها.
«كورولاري ترامب»… انقلاب مفاهيمي على القانون الدولي
يشير الأستاذ عدنان الإمام إلى أن ما نشهده اليوم هو نسخة أكثر تطرفًا من تلك العقيدة، أُدرجت رسميًا في وثائق الأمن القومي الأمريكي فيما بات يُعرف بـ**«كورولاري ترامب»**.
وبحسب هذه الرؤية، تعتبر الولايات المتحدة كامل القارة الأمريكية «مجالًا حيويًا» لمصالحها الاستراتيجية، وتمنح نفسها الحق في طرد أي قوة دولية منافسة، وعلى رأسها الصين وروسيا وإيران، من أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، باستخدام كل الوسائل الممكنة، بما فيها القوة العسكرية.
الحصار البحري عمل حربي صريح
من الناحية القانونية، كان موقف الأستاذ عدنان الإمام حاسمًا:
«فرض الحصار على دولة ذات سيادة يُعدّ، وفق القانون الدولي العام، عملًا من أعمال الحرب دون أي لبس».
ويؤكد الإمام أن الحصار المفروض على ناقلات النفط الفنزويلية يرقى قانونيًا إلى إعلان حرب، حتى وإن لم تُستخدم بعد الجيوش البرية أو الضربات الجوية الشاملة، مشددًا على ضرورة التمييز بين الواقع السياسي والتوصيف القانوني الدقيق.
هل نحن أمام سيناريو عراقي جديد؟
في مقارنة لافتة، يرى عدنان الإمام أن هناك تشابهًا مقلقًا بين ما يحدث في فنزويلا وما سبق الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
فكما استُخدمت «أسلحة الدمار الشامل» ذريعة لغزو العراق، تُستخدم اليوم تهمة مكافحة المخدرات كمبرر لتبرير الحصار والتدخل، رغم غياب الأدلة الموثوقة التي تثبت أن فنزويلا تشكل مركزًا عالميًا للاتجار بالمخدرات.
غير أن الفارق الجوهري – بحسب الإمام – يكمن في أن واشنطن اليوم لم تعد تكترث حتى بالشكل القانوني أو بمجلس الأمن الدولي، ما يجعل الوضع أكثر خطورة من السابق.
الهدف الحقيقي: تغيير النظام وإعادة هندسة القارة
يؤكد الأستاذ عدنان الإمام أن الهدف الاستراتيجي الأساسي للولايات المتحدة يتمثل في إسقاط نظام نيكولاس مادورو، وتعويضه بسلطة موالية بالكامل لواشنطن، تضمن السيطرة على النفط الفنزويلي وتقطع علاقات كاراكاس مع بكين وموسكو وطهران.
لكن الخطر لا يتوقف عند حدود فنزويلا، إذ يرى الإمام أن ما يجري يمثل رسالة ردع لبقية دول أمريكا اللاتينية، مفادها أن الاستقلال السياسي لم يعد خيارًا مقبولًا خارج المظلة الأمريكية.
انهيار القانون الدولي وصعود الأحادية العدوانية
يحذّر عدنان الإمام من أن السلوك الأمريكي الحالي يمثل سابقة خطيرة تقوض أسس النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، والقائم على التعددية واحترام القانون الدولي.
ويضيف أن الإدارة الأمريكية باتت تتعامل مع القانون الدولي كأداة تُفرض على «الضعفاء» فقط، بينما تستثني نفسها وحلفاءها، وعلى رأسهم إسرائيل، من أي مساءلة أو التزام.
إلى أين تتجه الأزمة؟
في قراءته للسيناريوهات المحتملة، يتوقع الأستاذ عدنان الإمام أحد مسارين:
-
حرب استنزاف طويلة عبر تشديد الحصار وتنفيذ ضربات محدودة لإسقاط النظام دون تدخل بري.
-
توسيع رقعة المواجهة في حال صمود فنزويلا، بما قد يفتح الباب أمام اضطرابات إقليمية تشمل دولًا مجاورة.
وفي كلتا الحالتين، يؤكد الإمام أن المنطقة مقبلة على مرحلة شديدة الخطورة، ما لم يتم كبح هذا النهج الأحادي.
عدنان الإمام: العالم أمام عقيدة توسعية خطيرة
في خاتمة تحذيرية قوية، شبّه الأستاذ عدنان الإمام ما يُسمى بـ«عقيدة ترامب» بعقيدة «المجال الحيوي» (Lebensraum) التي استند إليها النظام النازي في توسعاته الدموية، معتبرًا أن العالم يقف اليوم أمام فلسفة توسعية مدمّرة قد تقود إلى فوضى دولية واسعة النطاق.



